بعد مرور عام على حُكم الجماعة لمصر بأدائها الهزيل المُخزي وما اقترفت من
جرائم في حق الوطن والمواطن، تيقنت أنه لا مانع من استبدال أي من رجال السُلطة
الحالية بـ"مروحة ستاند"، ولكن الانقطاع الدائم والمتكرر للتيار الكهربي
اضطررني لإعادة التفكير في هذه المسألة التي تؤول إلى ما لا نهاية. هل عندما
نستبدل رجال السُلطة الحالية بمراوح سيتغير الحال أم سنبقى على ما نحن فيه الآن ؟؟
هل رجال السُلطة الحالية مسئولون عن انقطاع التيار الكهربي وبالتالي عندما نستبدل
كل من سيادتهم بـ"مراوح" سيصب هذا في مصلحة المواطن ؟ لإن وقتها ببساطة
لن يكون هناك من يقطع الكهرباء. ولإن السُلطة –من المفترض أنها- للشعب.. إذاً
فالمروحة خير من يحكمنا ! فالمراوح مُطيعة جداً لمالكها، ضعها في الفيشة تعمل،
انزع فيشتها تتوقف، كما يمكننا أن نتحكم في سرعتها.. وما أدراك ما سرعتها. هل رأيت
–عزيزي القارئ- مروحة بيتكم في يوم من الأيام تلوح لك بإصبعها مُهددة بحظر تجول أو
ما شابه؟؟ المروحة لا تُخَوِّن، ولا تُجَوِّع، ولا تهدم بيوتاً، ولا تقتل أبرياء،
ولا تفض اعتصامات سلمية، ولا ترفع الدعم عن السلع الغذائية، ولا تُكَفِّر المواطن..
"أي مروحة لرئاسة الجمهورية".
خوفاً من مستشفى الأمراض العقلية التي حتماً سوف تحتجزني إذا أكملت مقالي
على هذا النسق، ما رأيكم في أن نستبدل سادة السُلطة ببني آدمين مثلهم ؟
ولأن البركة في الشباب.. لم أجد أنسب من ذلك الرجل الذي لم يتخط الثلاثين لرئاسة
البلاد. إذا كنت من رواد المايكروباصات والتاكسيات: فأنا متأكد أنك حتماً تعرفه،
أو على الأقل سمعت واحدة من إبداعاته، إنه "رضا البحراوي". بداية
معرفتي بـ"رئيسنا المُرشح" عندما أتحفني"أخي الأكبر.. الذي يقضي مع
سائقي المواصلات وقتاً لا يقضيه معي أنا شخصياً" بمقطوعة غنائية مطلعها يقول:
"مبقاش عندي ثقة في حد م اللي انا شفته في حياتي"
وهو ما يؤكد لنا أنه صاحب خبرة حياتية
طويلة وأنه يتعلم من أخطائه التي اقترفها في الماضي، وعندما أعاد "البحراوي"
(الكوبليه) نفسه مرة أُخرى بث في قلبي شيء
من الطمأنينة، فبعد كلامه العميق المفعم بالإحساس نضمن أن قراراته الرئاسية سوف تصدر
عنه ولن يستعين بأهل أو عشيرة أو جماعة أو ميليشات مسلحة تفض اعتصامات معارضيه..
أصله مبقاش عنده ثقة في حد !
"زمان أنا خدت درس وغلطتي مذاكرتهوش"
رئيسنا المتخيل متسق مع ذاته إلى أقصى حد كما ترون، لدرجة أنه يعترف أن
الحياة لقنته درساً في الماضي وهو لم يذاكره ! ما يضمن لنا أن "البحراوي"
إذا تولى رئاسة الجمهورية لن نجد تعارضاً في تصريحاته، لن يكذب على الشعب، لن يزور
الحقائق، ولن يفضحنا أمام العالم.
يتابع مؤكداً:
"أنا خدت الضربة بجد من أقرب ناس في حياتي مش أهلي دول والله لا لا،
أُقسم بالله وحوش"
من الواضح أن هناك خلاف ضخم بين رئيسنا المُتَخَيَّل وبين أهله، وأعتقد أن
هذا من الأفضل لنا من باب اتقاء شر الأهل والعشيرة. وعلى صعيد آخر لم يخجل رئيسنا
المتخيل من الاعتراف بأنه "أخذ الضربة بجد"، ما يؤكد لنا مرة أُخرى أن
إتساقه مع ذاته قد وصل لمداه، اعترف بأنه أخذ ضربة بجد، ولن يأخذ مثلها ثانية.
وعندما أقسم "البحراوي" بالله أكد لي أن قلبه مفعم بالإيمان. ومن يدري !
ربما يكون يصلي يومياً في الجامع !
وفجأة يخفض صوته تماماً، ويتمتم ويغمغم بكلمات لا نسمعها، ثم يقول بصوت
مسموع:
"معايا ع السقفة بس.. ع السقفة بس.. ماشي؟"
ليتأكد لنا هنا اهتمام سيادته وإيمانه بالعمل الجماعي، ضامناً لنا أنه لن
ينفرد يوماً بالسُلطة وحده، ولن يصدر قراراً دون الرجوع لمستشاريه، كما فعل آخر
وأصدر إعلاناً دستورياً دون الرجوع لأحد من الرسميين.. ولكن لأهله وعشيرته التي
ضمن لنا "البحراوي" أنه بات لا يثق بها لأنهم "أُقسم بالله
وحوش".
وفجأة يهب "البحراوي" في المايكروفون قائلاً بصوت صاخب:
"وكمان مستصغرينني."
وقَد مَسَّني شخصياً عندما قالها.
ثم تابع:
" انا اللي بُكره هبقى.. ويشوفوا إسمه يبكوا.. ويقولوا كان قريبنا..
يتباهوا بيه ويحكوا.."
إن صوته المفعم بالإحساس والشجن لخير دليل على أنه يصلح للمنصب، لا أعتقد
أن شخصاً يحمل كل هذه الأحاسيس الجياشة يمكن أن يرى فقيراً أو مشرداً ولا يعمل على
تحسين أحواله، أعتقد أن هذا المطرب الشعبي هو أمل البلاد والعباد في هذه الفترة
الحرجة. أعتقد أن هذا العبد الفقير لله حالم أكثر من من يشغلون مناصب البلاد
القيادية الآن، هل يعتقد أحدهم أننا نتباهى بهم بينما هم يقترفون ما يقترفونه في
حق البشرية الآن؟؟ لا أظن.
أعتقد أنه كان يرتجل هُنا:
"ياما ناس تلاقي النعمة ع الأرض بتدوسها وناس غلابة تلم النعمة من ع
الأرض وتبوسها.. ".
ما لبثت أن سمعت ما قاله، حتى سألت نفسي: ( وهي العدالة الاجتماعية إيه غير
اللي "البحراوي" بيقوله ده ؟؟ آه والله آه والله آه والله).
وراح "البحراوي" يُغني للست أُم كلثوم في منتصف مهرجانه:
"هل رأى الحب سوجارة"
بعيداً عن إهانته لكلمات الشاعر إبراهيم ناجي واستبداله للسكارى
بالـ"سوجارة".. أعتقد أنها غير مقصودة وأنها من باب الجهل ليس إلا.
اهتمامه بأغاني الست أُم كلثوم يؤكد لنا اهتمامه بالثقافة والتراث، وأنه لن يأتي
لنا بوزير ثقافة يطمس معالمنا. كما أرانا تجديداً في الخطاب الفني عن طريق تقليل
الفجوة بين الشريعة والفن، باستبدال (السُكارى بالسوجارة).
رئيس البلاد الحالي أصبح لا يمثلني بعد ما اقترفه مع أعوانه في حقنا، رحت
أبحث عن رئيس لي، أي رئيس.. حتى لو كان غير ممتهن للسياسة ويعمل "مطرباً
شعبياً"..هذا المطرب الشعبي يشعر بالمواطن أكثر من رئيسنا الحالي. ابحثوا معي
عن رئيس.. أو حتى "مروحة ستاند".
علي هشام