تحدق في وجه مذيعة نشرة الأخبار فاتنة الجمال، تصوب نظرك
نحو عينيها العسليتين، تنظر لشفتيها المتلامستين ناطقة ميماً مفتوحة، تتباعد
الشفتان ناطقة حرف القاف ساكناً، يخرج اللسان لتنطق تاءً مفتوحة، ثم تتباعد
الشفتان مرة أُخرى ويلتصق اللسان بالحلق لينطق لاماً: (مَــقْــتَــل..).
تنظر للوجه كله مرة أُخرى.. تتأمله، وتشير في بالك إلى
أنك تحب النساء اللواتي يضعن مساحيقاً خفيفة غير واضحة لتُظهر وجههن طبيعياً كما
خلقه الخالق.
تخفض صوت التلفاز قليلاً، تشيح بوجهك بعيداً عن شاشته..
بعد أن تستأذن المذيعة بإشارة من يدك في الالتفات لالتقاط هاتفك النقال للرد عليه
لتتلقى خبر وفاة أحد أعز أصدقائك المرافقين لك دائماً في المظاهرات والاشتباكات:
"تملأك الحسرة ويتبدد بك الحزن"
-
إيه ؟! بتقول إيه ؟! مات !! ازاي ؟؟ ده حتى
مفيش اشتباكات النهارده .....!!
-
مات موتة ربنا.. عادي.
تومئ متفهماً بعد أن يهبط شعورك بالحسرة والأسى إلى
المنتصف:
-
ممم.. الله يرحمه. الجنازة امتى؟؟
تذهب إلى صلاة الجنازة، تتذكر صديقك. تدعو له وتذرف
دموعاً بحُرقة. وفجأة وانت تكفكف دموعك بالمنديل الورقي.. تشعر بالعار لكونك تبكي
على شخص مات حتف أنفه، لم يقتل بالخرطوش أو الرصاص الحَي أو خنقاً بالغاز.
---
"لقد خلقنا الإنسان في كَبَد" – صدق الله
العظيم
خُلق الإنسان في كَبَد، تعب ومشقة. لم يشترط –عز وجل- أن
يكون من ضمن هذا الكَبَد: السياسة و"قرفها" !
يبدو أن ثمة حياة أُخرى تُعاش على هذا الكوكب غير ما
نعيشها نحن.
---
حين تختزل حياتنا ونقاشاتنا في ذلك الاختراع المُسَخَّر
لخدمة أطباء الأمراض النفسية والعصبية "السياسة". حين ينسى الأصدقاء أن
ثمة أشياء أُخرى تدعو للمخاصمة غير الاختلافات الأيدولوجية. حين تمر كلمة (مقتل)
أمام أعيننا مرور الكرام كل يوم في نشرة الأخبار بينما يتغزل الرجال في جمال
المذيعة، والنساء في أناقة الـ"شيميز" التي ترتديه. حين ننسى أن ثمة
أسباب كثيرة لموت الإنسان غير الدهس والحرق والقنص والخنق بالغاز في عربة
الترحيلات. حينما نشعر بالعار عند الالتفات عن السياسة، حتى ولو للحزن على صديق
مات، (موتة ربنا)..
علينا أن نعلم، أننا قد متنا قبل الأوان.
عزيزي القارئ..
اعطني يدك، دعني أربت عليها، ثم...
البقية في حياتهم.
علي هشام
18 سبتمبر 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق