لم يَكُن قَد سبق لي أن
رأيت صديقي "سيِّد كورن فليكس" في مثل هذه الحالة من قَبل. كان جالساً
في القهوة يُبحلق في اللاشيء بذهن شارد ويبدو على وجهه الذي يتصبَّب عرقاً هَم
جسيم، وما أن انتبهت لذلك حتى سألته في قلق عن ما به، فأخذ نفساً عميقاً ثم طرده في
عصبية قبل أن يطلق حشرجات مُقلِقة غير مفهومة، ويجيب في تأثر: "بيعملوا وزارة
جديدة.. و حتى ماكلمونيش ! تخيَّل يا أخي ؟ "
قبل أي شيء دعوته لأن يُوحِّد
الله ويُحضِر لنا حاجة نشربها عَلَّنا نجد حلاً للمشكلة العويصة..
"كورن فليكس"
يرى أنه كامل الأوصاف التي تؤهله لأن يتولى أجدعها منصب فيكي يا بلد. في رأيه أنَّ
أحداً من هؤلاء المسئولين لا يفرق عنه شيئاً، بل إنه هو الذي يفوقهم في كُل
الأشياء. هو يرى أنه قدَّم خدمات للمواطن وللصالح العام أكثر منهم جميعاً، إضافة
إلى أنَّهم لا يَشعرون بالشعب مثله..
هل يمتلك أحدهم (توك توك)
كـ"سيِّد" ؟؟
بالمُناسبة، التوك توك
مكتوب عليه من الخلف "لو صاحبك باعك، طلع له دراعك"، وهو ما يشي بأن
"كورن" يكره الخيانة، مما يضمن أنه لن يخوننا في يوم، إضافة إلى أن
العبارة تؤكد أنه لا يبادر أبداً بعدوان على أحد، في حين أنَّ كُل واحد من السادة
المسئولين "مطلع دراعه" ونازل تلطيش في خلق الله.
قبل أن يفيدني بإجابة عندما
سألته "أي الوزارات تفضل أن تتولى يا كورن؟" أخبرني بأنه ينزعج مني
عندما أحدِّثه بالفصحى، لأنه "مابيحبش جَو كابتن ماجد ده".. ثم تابع:
"يا زميل أنا –وأعوذ بالله منها كلمة- اتحَط في أي مَصلحة اشتغل لَهلوبة"..
مثلاً.. وزارة الرياضة، حين
كان وَزيرها في الحكومة السابقة يُطلق تَصريحاً مفاده تحريضاً على إلغاء النشاط
الرياضي لأن ذلك سوف يوفر قرابة الـ600 مليون جنيه من ميزانية الدولة لمجرد أنه
يريد أن يتجنب وجع الدماغ، كان "سيِّد" يُكافح من أجل اقتناء "وصلة
ديش" في قهوته لكي يوفر لزبائنه مشاهدة كريمة على مباريات الدوري، إضافة إلى
المجهود الخرافي الذي يبذله مع كُل ماتش في رفع أعلام الفرق المتنافسة أمام القهوة
والتَخديم على المتفرجين. وبالمناسبة، اهتماماته ليست قاصرة على كُرة القدم فقط،
فقد أوصى جاره "عم أحمد النجار" أن يصنع له (ترابيزة برررياردو -عشان
الناس تنبسط-). قُل لي بالله عليك، أيُّهما
أفيَد للوطن ؟!
أمَّا عن وزارة الداخلية..
فالأمر مُختلِط شويتين على "كورن"، هَل مُهمة الوزارة حماية المُواطنين
وتوفير الأمن والأمان لهم ؟ أم أن مهمتها الاعتداء عليهم وتعذيبهم وإهانتهم
والتنكيل بهم ؟
عموماً.. في كلتا
الحالتين "رقبته سدادة". مُنذ يومين كان أُسطة ورشة النجارة "عم
أحمد" يضرب أحد صبيانه، ولم ينقذ
الولد أحداً من قبضة المعلم الكبير سوى "أبو السِّيد"، ولم يكتف بذلك
فحسب، فقد حَنَّ قلبه من ناحية ذلك الطفل البريء الذي لم يرتكب جُرماً في حياته
لكي يُعامَل بهذه الطريقة المهينة بخلاف أنه وُلِد من بطن أُمه فقيراً مما أجبره
على تحمل الإهانات منذ نعومة أظافره، فأصر "كورن فليكس" على أن يأخذ
للصغير حقه من ذلك الظالم المُتَجبِّر بأن جرد هذا المعلم صاحب الشنبات الفخيمة
والهيبة من بنطاله في قلب الشارع، وبذلك يكون قد جعل منه فُرجة لكل من هَب ودَب
وسيرته صارت على كُل لسان.. وعليه العوض ومنه العوض في "ترابيزة البرياردو"
إيَّاها.
أما عن الاحتمال الآخر،
أن تكون مهمة الوزارة الأصلية هي الاعتداء والتعذيب والتنكيل والإهانة، فـ"سيِّد"
لا يخشى لومة لائم، ولكن في الحق طبعاً. دعوني أُخبركم بمصير الزبون الذي أضاع
"قُشاطين طاولة" من القهوة في المرة الفائتة.. حَمَى وطيس المعركة بين "كورن"
والرجل بعد أن فتن عليه بعض شهود العيان قائلين أنه أخبأ القُشاطين في "الكلسون
لا مؤاخذة حضرتك"، وما لبث سيد أن سمع تلك الشهادات المتواترة حتى انقضَّ على
الرجل فجأة وفقعه علقة معتبرة –حاكم سيِّد مايحبش اللي يلعب بيه-، وأصرَّ على أن
يفتشه تفتيشاً ذاتياً إلى أن عثر على القُشاطين فعلاً في المكان المذكور، ولم يرض
أن يترك الرجل وشأنه إلا عندما يأخذ حقه تالت ومتَلِّت، "ويعلِّم عليه"
بأن يترك له تذكاراً أبدياً بسيطاً في هذه المنطقة ليصبح عبرة لكل من يعتبر.
أما عن وزارة الصحة، التي
أصدرت آخر وزيرة لها تصريحاً تطالب اللأطباء فيه بأن "يهشُّوا" القطط من
المُستشفيات ويبدأوا بالتغيير من أنفسهم أولاً قبل أن ينتقدوا المسئولين،
فـ"سيِّد" صار خبيراً في شأن هَش القُطط هذا، فالمنطقة كُلها تذكر له
آخر صلاة عيدعندما كان هو المسئول يومها عن تَحصين المنطقة من الكلاب والقطط في
ساعات الصباح الباكرة. كما أن في تولي "كورن فليكس" مقاليد الوزارة خير
لصحة المواطنين من أن تتولاها تلك السيدة.. فأنا أضمَن لكم أنَّه لن يُدلي بمثل
هذه التصريحات العجيبة، مما يؤكد على أن صحة المواطنين الإنجابية سوف تبقى بخير.
انتابني قلق مفاجئ من أن
يكون غروراً قد أصاب صديقي "سَيِّد"، هو الذي دفعه لأن يدَّعي أنَّه
يصلح لأجدعها منصب في البلد.. سألته في هذا الشأن بحُكم علاقتنا الوطيدة وخوفي
عليه، فأجاب بموشح من الحوقلات والاستعاذات بالله، ثم قال بأنه سمع ذات مرة مثلاُ
شعبياً بليغاً يقول:
"لو شاف القرد حَمَار
إيـدُه.. مكانش يهزها"، ثم أتم كلامه:
-
العياذ بالله من الغرور، بس لا مؤاخذة القرد أبو ألوان اللي لسه جايب في
سيرته ده لو مسك منصب هاينفع الناس أكتر من كده..
العبد لله مش
فتوَّة يا زميل.. هُما اللي مش تمام.
علي هشام
مقالي الأُسبوعي الذي كان من المُفترض أن يُنشر في عدد جريدة
الوادي الموقوف طبعه. (بتاريخ: الثلاثاء - 4 مارس 2014).
نُشرت في "بوابة يناير".
نُشرت في "بوابة يناير".