إذا فتحت كتالوج التبريرات، سوف تجد في الصفحة السابعة أو الثامنة على ما أتذكر، بعض البنود الهامة المذكورة.
أولها: سبب وفاة أي ضحية تعذيب “هبوط حاد في الدورة الدموية”.
ثانيها: إذا مات أحدهم بين يديك، وغلب حمارك في التنصل من فعلتك، قُل إنه مات في حادث سير، حتى ولو كانت هناك علامات تعذيب على جسده، هذه أمور هامشية.
ثالثها: لا تقُل إن أداء الحكومة هو سبب المشكلة الاقتصادية، بل قُل إن سبب ذلك “زيادة عدد السكان” –تلك هي الثروة البشرية التي استغلتها دول عدة وأصبحت سببًا في تقدمها-.
رابعها: قُل لهم إن آراءهم هدَّامة، وإنك لا ترحب إلا بالآراء البنَّاءة.
خامسها: إذا أثبتوا لك أن آراءهم بنَّاءة وأنهم يريدون الصالح العام، ولم تجد مُبررًا لفشلك، اعمل بمثل “الهجوم خير وسيلة للدفاع”، وقُل لهم في تجهم (هو ده وقته؟).
سادسها: قل لهم إن ثمة تنسيق بين السلطات وأجهزة الدولة، حتى ولو كنتم “بتنتفوا في فروة بعض”.
سابعها: أبلغهم أن “كل شيء كويس”، حتى ولو كان كل شيء “زَي وشَّك”.
ثامنها: الجرائم لا يرتكبها إلا العملاء والإخوان المسلمون والمتخلفون عقليًا.
بعد أن علمنا بواقعة اختطاف الطائرة المتجهة من برج العرب إلى القاهرة، وعرفنا مطالب المختطف بأن يرى طليقته القبرصية، وشاهدنا صورة السيلفي التي التقطها لنفسه مرتديًا الحزام الناسف المزعوم، صدرت تصريحات رسمية بأن المجرم مختل عقليًا، وهو “د. إبراهيم سماحة” الذي كان مسافرًا على متن الطائرة في أمان الله. وبعد شتيمة خلق ربنا كلهم للرجل، وبعد وصول الخبر إلى زوجة د. إبراهيم بأن زوجها قد تزوج امرأة قبرصية ثم طلقها ثم اختطف طائرة ليردها مرة أخرى، كل ده وهي نائمة على ودانها، اعتذرت السلطات للرجل، وصححت المعلومة، وأقرَّت بأنه من ضمن المختطفين وأن المجرم هو راكب آخر يدعى “سيف”.
كانت السلطات المصرية منظمة جدًا في تعاملها مع الموقف، وكان هناك تنسيق وتناغم واضح بين الأجهزة. وتجلى ذلك في تصريح وزير الطيران في المؤتمر الصحفي الذي عقده: “لن نعلن عن هوية الخاطف الحقيقي”، وبعدها بدقائق معدودات صرَّح متحدث رئاسي لـCNN “مختطف الطائرة يدعى سيف الدين مصطفى”.
وعند سؤال وزير الطيران عن تأمين مطار برج العرب، قال “هو ده وقته؟”، والسؤال هنا: إذا كان الوزير لا يريد الكشف عن هوية المختطف، ولا يريد الإجابة عن الاستفسارات بخصوص تأمين المطار بعد أن مر منه رجل يرتدي حزامًا ناسفًا، فماذا كان يتوقع الوزير أن يُسأل حين عقد المؤتمر الصحفي؟ أن نسأله عن طريقة تسوية الديك الرومي في الفرن مثلاً؟
بعد ذلك علمنا أن أمن المطار كان قد استفسر من المختطف أثناء التفتيش عن سر الحزام العجيب الذي يحوي كتلا صلبة تشبه أصابع العجوة ويرتديه حول خصره، فأجابهم “ده حزام طبي”. ربما لو كان سُئل عن المسدس الذي في جانبه، كان سيقول “ده دمِّل”، وكانوا سيدعون له بالشفاء.
سيطرت القوات القبرصية على الأمر وحررت الرهائن وألقت القبض على المختطف، فخرج لنا رئيس الوزراء متأثرًا بالفنانة “إنعام سالوسة” في فيلم عايز حقي، عندما طلب منها هاني رمزي في دور “صابر – ابنها” ألا تتفوه بحرف أثناء مقابلة أهل عروسته، ولا تقول سوى “إن شاء الله وألف ألف مبروك”، فكان تصريح معالي رئيس الوزراء: “إن شاء الله كل شيء كويس”.
لم يدرك وزير الطيران أن “مش وقته يقول مش وقته”، ولم يدرك رئيس الوزراء أن “كل شيء مش كويس”.. لم يدرك وزير الطيران أن “مش وقته” أصبحت حجة قديمة مُستهلَكة وغير مجدية، وأنها أصبحت لا تجدي نفعًا، ولا تُسكِت مُتسائلا، ولا تداوي جرحًا، ولا تعيد الحقوق لأصحابها، ولا تحيي قتيلا.
نعيش في وطن أصبح فيه “اللي مش وقته”، أكثر بكثير من “اللي وقته”. فلا مجال ولا وقت إلا لشيء واحد، وهو أن تقول “حاضر” وأنت ساكت.
أعتقد أنه عندما تقوم الساعة، وأقابل رب العالمين، سوف أشكو إليه الحال بمرارة، وحينما أصل إلى مفترق طرق (يمينا الجنة ويسارًا النار)، سوف أبلغ أحد الملائكة بأنني “مصري”، أتخيله يربت على كتفي في شفقة، ويفتح لي أبواب الجنة ويلقيني بالداخل من سُكات.