افتتحت الجلسة مع المعالج النفسي وأنا أخبره عن شكوكي في أدواته برُمَّتها. يا عزيزي أنت فقط تحاول أن تُجمل الواقع، وما بيننا هو "بيزنيس" في الأول والآخر. مع احترامي لعلمك الغزير، أنا أدفع لك مبلغًا باهظًا من المال لأجلس معك ٤٥ دقيقة بالتمام والكمال، لا تزيد عن ذلك دقيقة، وأنت تقدم لي في المقابل خدمة. أنا واحد من ضمن مجموعة كبيرة من ال"كلاينتس" الذين يأتون إليك، وكلمة كلاينتس (أي عملاء) هو الاصطلاح الجديد الذي أصبحوا يطلقونه على من يبتغون العلاج النفسي، وهذا ربما لأن كلمة (مرضى) مُحرجة بعض الشيء، وربما أيضًا لأننا جميعًا أصبحنا مرضى نفسيين، فأحببوا أن يُجَمِّلوا الأمر قليلًا. أحكو لك في ٤٥ دقيقة معاناة أعيشها ٢٤ ساعة. تسمعها، تدَوِّن ملاحظاتك في دفتر يحوي عشرات الملاحظات عن أشخاص آخرين، ثم تنتهي الجلسة ويذهب كل منا لحاله. في الأول والأخير، سعر الدولار ارتفع علينا نحن الاثنين، وكلانا سوف يدفع كل ما يملك لرادارات التجمع الخامس. أنت لن تُغير الواقع، أنت فقط تأخذ نصف مرتبي الشهري لأتحدث معك قليلًا.
أقضي معظم وقتي أبحث عن سلامي النفسي، إبرة في كومة قش. لم أجد سلامي النفسي بالشوكولاتة الداكنة بالبندق رغم ما تغمرني به من سعادة لحظية. ترفع لي مستويات الدوبامين بمخي، لكنها ترفع لي السكر بالدم أيضًا وتعرضني للسمنة. لم أجد سلامي النفسي في طلبي المعتاد من ماكدونالدز بالثانية صباحًا، بيج تيستي كومبو لارچ، هذه الوجبة لا تداوي جراحي رغم حلاوتها، فقط تشعرني بالتخمة وتصيبني بالحموضة.
وجدتني مؤخرًا أنسى أشياءً بديهية؛ محفظتي، مفاتيحي، هاتفي، ثم تطور الأمر حتى أصبحت أنسى العناصر الأساسية في قاعدة تسلسل ماسلو الهرمي للاحتياجات من أجل البقاء الإنساني، أنسى النوم والأكل. عندما تذكرت الأكل ذات مرة، اكتشفت شيئًا يدلني على بعض من السلام النفسي.
لي وجبة واحدة في اليوم، آكلها مساءً. أرجو ألا تعاتبني على ذلك وتنصحني بأكل ثلاث وجبات، لأني أعلم ذلك جيدًا، وصدقني لن تضيف نصيحتك لي شيئًا، أنا آسف.
عادةً ما أختار السلطة، ألوانها زاهية، مُغذية، تسمح لي بأكل كمية كبيرة بلا خوف من سعرات حرارية زائدة، والأهم من ذلك أن تحضيرها، رغم وقته الطويل، لكنه يمنحني بعضًا من السلام النفسي. هي أيضًا مُشبعة جدًا، وهي ليست مُشبعة فقط من أجل قيمتها الغذائية، لكن المشقة ذاتها في الوصول لطبق سلطة متكامل تساعدني على الشبع.
يشبع تحضير السلطة غرائزي الإنساني، غريزتنا كبشر أن نشقى من أجل الوصول، ويرتبط معدل شقائنا طرديًا مع ما نجنيه من مكافأة، تشقى لتدخل الجنة، تشقى لتنجح، تشقى لتتزوج حبيبتك، وهكذا. كان الإنسان بالعصر الحجري يسير مئات الأميال ليحصل على غذائه، يجد فريسة هنا أو هناك يصطادها بحجر أو عود خشب أو حتى عظمة احتفظ بها من الفريسة السابقة. لم يجد الإنسان الحجري غذائه بسهولة، لم يداوي الإنسان الحجري جراحه بأوردر بيج تيستي كومبو لارچ من ماكدونالدز في الثانية صباحًا أو فطيرة مشكل جبن من بيتزا السلطان. كل كائن له غريزته، انظر إلى قطتك التي تربيها بالبيت، لها غريزة الانقضاض، تشبعها عندما تلاعبها، تجري وتنقض على ألعابها، أو عندما ترمي لها كرة. أنا أيضًا أشبع غريزتي الإنسانية بتحضير السَلَطة، لذلك اعتمدت السَلَطة علاجًا.. العلاج بالسَلَطة.
أتغيب عن جلستي الأخيرة مع المعالج النفسي، تتصل بي السكرتيرة لتسألني عن غيابي، فأخبرها بما حدث: "معلش أصل وقتها كنت بعمل سَلَطة"، ثم نحدد ميعادًا آخرًا. لا أدري إن كان لردي عليها علاقة بما أخبرني به الطبيب بالجلسة التالية، فقد أجرى تعديلًا في أدويتي وأضاف على الروشتة مضادًا للذُهان. قلت له متعجبًا: ذُهان إيه يا دكتور… ده الموضوع كله يتحل بخسايتين واتنين كيلو طماطم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق